أسمحلي أن أنتشلك من حيرتك وأخبرك أن عنوان هذا المقال ليس " من يكتب التاريخ " ولكنه " كيف نقرأ التاريخ " وربما حينما تقرأ هذه الكلمات تعيد ترتيب فكرك ولكن ربما إذا علمت أن كاتب هذه الكلمات _أنا _ ربما أكون متعصبا لوجهة نظرٍ ما او فكرة ما أو تيارٍ ما .. بالتأكيد ستغير كثيرا مما تظن .
ببعض من الكلمات الرشيقة أحببت أن أبدأ ..
حينما نتعمق في كتب التاريخ منذ القديم ولنبدأ بأول كتاب تاريخ موجود في هذا الوجود وهو رسومات رجل الكهف البدائي إذا نظرت فيها تجد أنه من السهل أن يصطاد أي حيوان وأي مخلوق في سبيل وجوده ولكن ..
هل شهوة الوجودة أو غريزة البقاء كانت مبررا مقنعا لإفناء بعض الأجناس ؟؟
رغم أننا نقرأ هذه الكلمات وقد نقتنع بها إلا أن بسببها أنقرض العديد من الأجناس بحجة بقاء الإنسان ..
ننتقل إلى كتاب أحدث قليلا من سابقه : سجلات الفراعنة
نرى أن الملك القوى لابد أن يسجل تاريخه على سجل الملك الضعيف وهو ما تسبب في أختفاء عددٍ من الملوك والفراعنة العظام
ولأبسط مثال : سعرقت او الملك العقرب ملك مملكة الشمال في بداية العهد الفرعوني في عهد الملك مينا موحد القطرين
أشهر صورة لسعرقت المعروض في المتحف صورة ( لوحة نارمر ) والتي تعرض مينا وهو يقوم بضربه على رأسه بسلاحه .. إذا قرأت التاريخ المكتوب في لوحة نرامر ترى أن الألهة نصرت مينا وتخلت عن سعرقت ولأن مينا من أرضى الألهة تُوج بالملك .. ولكن هل هذه نظرة سعرقت ؟؟ هل قرأنا ماذا كتب سعرقت ؟؟ بالتأكيد لن نعثر على أي سجل ولكن إذا تخيلت سأجد أنه يعتبر شعبه شعباً ثريا ومتقدما أغرى مينا ملك الجنوب بإحتلاله طمعاً في كنوزه ومقدراته !! أن قرأت التاريخ بهذه الطريقة ستجد أن أشهر قصة في تاريخنا مجرد كذبة ..
ننتقل إلى أخناتون الملك المؤمن الذي أدى ببلاده للفتنه وأدى إلى ضياع ملك مصر .. أو هكذا قرأنا في التاريخ .. لكن إن قرأنا ما كتبه أخناتون ستجد أنه قاوم كهنة أمون الذين أستغلوا طيبة الشعب وسذاجته وقاموا بسرقة مقدراته وأحلامه وأوهموه أن نجاته في أيديهم لكن في الحقيقة كهنة أمون لم يهمهم إلا مصالحهم لدرجة أنه في فترة المجاعة رفضوا إقراض الشعب من حنطتهم وقمحهم ..
التاريخ مليء بعديد من الكذبات أو ربما حقائق قرئناها بطريقة مغايره فلو نظرنا لهيردوت الملقب "أبو التاريخ " سنجد أن إنحياز هيردوت ليونان أدى لتزوير بعض الحقائق التاريخية كأسطورة ميديوسا الساحرة الأمازيغية التي قتلها برثيوس ليثبت نفسه للملك !! ولكن إذا قرأت أسطورة الأمازيغ أنفسهم ستجد أن ميدوسا كانت ساحرة طيبة أغواها بوسيدن أله البحر مما سبب غيرة أثينا وهو ما تسبب في قتلها !! ستجد أن تعصب هيردوت لليونان جعله يظهر الأمازيغ على هيئة وحوش فيما قام بتمجيد اليونانين الذين خلصوا العالم من شرور الأمازيغ !! هكذا كان التاريخ الذي قرأناه
حتى في عصرٍ قريب منا وهو العصر الأوسط تجد أن الصليبين كتبوا في متبهم أنهم قاموا بحروبً مقدسة في سبيل القدس والكأس المقدسة وليس في سبيل ثروات مملكة بيت المقدس ولا في سبيل أموال المسلمين التي كان لعاب البابا يسيل لمجرد ذكرها أمامه !! ربما إذا قرأت ستجد أن الفرسان الصليبين يتمتعون بالنبل وكرم الأخلاق والفروسية !! فيما لو قرأت في التاريخ الحقيقي عن مذبحة عكا كيف ذبح ريتشارد الألاف من أسرى المسلمين ومثل بهم وكيف قام ريتشارد بذبح المسلمين في أكثر من معركة ستتخلى عن عواطفك إتجاهه !! وربما إذا قرأت أن ريتشارد أثناء عودته لأنجلترا خانه أخوه وأستولى على الحكم ودعمه فيليب أوغسطس ( حليف ريتشارد السابق في الحروب الصليبية ) وأن ريتشارد قد أسر من الأمبراطور البيزنطي وتمت مقايضته بفدية و أسر مرة أخرى من قبل الأمبراطور الروماني المقدس بسبب خلاف شخصي !! ستعرف أن أسطورة ريتشارد قلب الاسد أسطورة زائفة كليا !!
وربما تجد في تاريخنا أن صلاح الدين الفاتح الأعظم للقدس كان منتصرا فيما كانت الحقيقة أنه هُزم في كثيرٍ من المعارك قبل أن يحقق إنتصاره في حطين ( كلامي ليس نقدا او طعنا في صلاح الدين ولكنه من باب سرد التاريخ كما كان وليس كما قرأنا )
كيف سنقرأ التاريخ لو علمنا أن الدولة العثمانيه والخلافة الإسلامية لم تكن أحتلالا للدول العربية ولم تكن تضطهد العرب بل على العكس تماما أعطت العرب أمتيازات لم تعطها للأتراك أنفسهم وكان يسمون العرب بالأشراف لأنهم قوم النبي محمد صلى الله ليه وسلم وربنا ستجد من الغرابة إذا علمت أن الحركة القومية التركية بعد سقوط الخلافة كانت تتحجج في البرلمان بمواقف الخلافة وتميزهم للعرب كأحد أسباب أعتبار الخليفة خائناً للترك !! ربما إذا قرأت أن السلطان عبد الحميد الذي قرأت في أحد كتب جدي رحمه الله في فترة الأربعينات أنه " الطاغية عبد الحميد " رفض أن يسلم القدس لهرتيز " مؤسس الفكرة الصهيونية " ورفض أن يقبل بمشروعه كما أنه كان محبوبا من المسلمين لدرجة أن أحد قرى كينيا النائية ظلت تدعوا للخليفة عبد الحميد في خطبة الجمعة حتى عام ١٩٦٧ !!
وفي تاريخ الحروب لا تثق في أحد فالتاريخ لا يكتبه إلا المنتصر أو صاحب السيف الطويل
في الحرب العالمية الثانيه كان التاريخ يكتب على ثلاث محاور فدول الحلفاء ترى هتلر سفاح وقاتل ومختل عقليا فيما كانت ترى دول المحور أن إنجلترا غول محتل وأن الأصل في دول الرايخ أن تكون متوحدة لأنهم في الأصل قومية واحدة وأن الأنجليز يخشوف من الرايخ بينما تجد دول الحياد تكتب التاريخ للمنتصر فقط !!
التاريخ في أوربا الشرقية في وقتها يختلف عن أوربا الغربية
ربما نقرأ عن فظائع جيش هتلر لكننا لم نقرأ عن فظائع الجيش الأحمر في برلين الغربية !! ولم نقرأ عن فظائع أميريكا في اليابان خلال سنين الأحتلال السبعة وربما لم نهتم بهروشيما ونجازاكي !! من الطرائف أن قائد الجيش الأميريكي حينما قرر مكان الضربة قرر في أوله أن يضرب معابد كيوتو ولكن الرئيس الأميريكي رفض بحجة أنه " زار معابد كيوتو ورأى جمالها وخشي أن تخسرها البشرية " فقرر أن يضرب ضربة قاتلة تسبب خسارة البشرية لأكثر من مليون شخص !!
حتى في تاريخنا المصري نجد محمد علي الفاتح وباني الدولة الحديثة ولكنا لانجد محمد علي الذي هدم الدولة العثمانية ولا الذي أضطهد الشعب المصري لأنه ليس يوناني ولا نجد المحتكر صاحب السلطة والثروة كأن الشعب المصري كلهم عبيد له !!
نقرأ عن قناة السويس ولكننا لا نقرأ عن السخرة التي بسببها مات مئات العمال وعاش المئات منهم في فقر وربما أصيب بعض عمال الحفر بالعاهات التي لم تدخل الدولة لإعالتهم أو تعويضهم !!
نجد أن جمال عبد الناصر "العظيم " تم في عهده إنتصار مصر على محاور الشر " فرنسا وإنجلترا وإسرائيل " في العدوان الثلاثي حتى أني أتذكر فكرة طفولية حينما كنت في الصف الإعدادي وسألت أستاذ التاريخ : كيف يمكن لدولة واحدة ونامية للتو خرجت من ثورة مسلحة وللتو خرجت من هزيمة جارحة ٤٨ أن تنتصر على أنجلترا ( الأمبراطورية التي لاتغيب عنها الشمس ) وفرنسا ( القوة الثانية في العالم ) وإسرائيل ( التي سحقت جيوش العرب الخائنة في ٤٨ !! ) فأجاب بإبتسامة وقال : المخرج عايز كدا
وربما أراد المخرج أن ننسب الفضل لألاه المصري الجديد فكما دأب هذا المخرج عن صناعة الألاهة لدرجة أن لازلت أذكر أحد الطرائف ومعرنفس أستاذ التاريخ في الصف الرابع الإبتدائي عندما كنا ندرس حور محب " الوزير الذي أنقلب على توت عنخ اتون" كنا ندرسه على البطل الذي أنتشل مصر من الضياع عندها سألت الأستاذ : إذا كان توت عنخ أتون ألاه ومن نسل الألهة وكان حور محب مجرد جندي في الجيش قام بترقيته أخناتون ليصبح ضابط برتبة أكبر وحور محب من أسره بسيطة وإنسان عادي .. كيف تحول بعد موت (أو قتل ) توت عنخ أتون لأله !!! فأجاب المدرس بأجابة لم تبدوا غريبة عني : المخرج عايز كدا
ربما هي الأجابة المنطقية لكثير من الأسئلة لدينا وإلا فكيف يمكن أن تبرر لنا حكوماتنا أننا هزمنا في ٧٣ !! نصر أكتوبر المجيد ليس إلا كذبة من النوع المحبوك !! فالمبرر الوحيد لكامب ديفيد أن هزمنا
فأنا لم أسمع في التاريخ أن دولة منتصرة سترضى بمثل هذه الشروط المجحفة !!
كل ما سبق هو مجرد سرد لبعض ما نعرف وهنا حقائق قد نخشى حتى أن نعرفها إذا كنت مؤمنا بنظرية المؤامرة قد تجد في هذا المقال ضالتك وإذا كنت من السذج الذين يؤمنون برواية الحكومات فأنا أعتذر إليك فحالتك هذه تستعصي على أكبر الأطباء !!
الحكومات تعتمد على اللعب على العقول كما فعلت في هذا المقال ففي بداية المقال قلت أن العنوان غير العنوان الحقيقي ولكن الحقيقي أن العنوان الحقيقي للمقال هو :" من يكتب التاريخ !! "
هذا السؤال ليس لكيان ما او منظمة ما ولكن هو كيان إعتباري
فمن يكتب التاريخ هو صاحب السيف الطويل أو كما قال الأسكندر عندما سألوه على فراش الموت : لمن تترك مملكتك من بعدك
كانت أجابته : to the strong ..



