الأحد، 3 أغسطس 2014

قابلت ملك الموت

ما هو الشخص الميت ؟؟
أحب الأسئلة التي تبدأ بما فلا أجد في الأسئلة التي تبدأ بمن إجابات مريحة ..

نوعان من الأسئلة كانت لهم نفس الإجابة :" لما تكبر هتفهم " وفي الواقع كبرنا ولم نفهم شيء ..
النوع الأول : الزواج ؟؟ ما الفارق بين الذكر والأنثى ؟؟ لماذا نولد ؟؟ لماذا نتزوج ؟؟
وفي الواقع هذا النوع لم يستدعي إهتمامي كثيرا وأكتفيت بالإجابة المتاحة
النوع الثاني : الجن ؟؟ الشياطين ؟؟الموت ؟؟ الملائكة ؟؟
في الواقع كنت أجبن من أن أسئل فيه فبدأت أقنع نفسي أنني سأفهم حينما أكبر  ...
في الواقع مرت السنوات سنة بعد سنة وأنا أسمع نفس الإجابة : لما تكبر هتفهم ..
يقول أحد الفلاسفة : أنهم لم يجدوا إجابة لأسئلتنا فكانت إجابتهم : ستفهمون عندما تكبرون .. في الواقع كبرنا ولم نفهم شيء ..
فأما الجن فأشبعت شغف طفولتي بالبحث عنهم في قصص ألف ليلة وليلة وأكتفيت بهم في قصص علاء الدين والسندباد البحري  ربما رأيتهم وربما لم أرهم من يدري وربما من يهتم .
وأما الشياطين فأكتفيت بقرائتي عنهم في الأحاديث وقصص الخبر
أما الموت فدائما كانوا يخبروني : إذا أحب الله عبدا وأشتاق للقاه قبضه إليه .. فكنت أستغرب دائما إذا كان الموت بهذا الجمال لماذا نبكي لماذا نتألم لفراق الموتى ؟؟ هل نتألم لأنانيتنا أننا لن نقدر أن نعيش بدونهم ؟؟ في الواقع فهمت أكثر بعد هذا الطرح بسنوات قليلة ..
أما الملائكة .. كنت أتخيلهم دائما في اللباس الأبيض الفضفاض اللامع وكأنه اللؤلؤ المكنون أو ربما ظللت أتخيلهم حتى العاشرة بهذه الصورة ..

كنت في العاشرة
في الصف الخامس في الفصل السادس بمدرسة الهدى والنور الإسلامية الخاصة 
كان فصلاً متفوقا في كل شيء 
عندنا الرياضيون والمتفوقون علميا وأدبيا وثقافيا .. كنا دائما متميزون 
لم أكن طالبا إجتماعيا ولم أكن بالصوره التي يراها البعض الأن ولكن كنت قانعا بأن لدي من الأصدقاء القليل ولكنهم في نظري الطفولي كانوا كثير : عبد الرحمن و محمد وأحمد ومحمود و إبراهيم
كان إبراهيم زينة الفصل بكل ما تحمله الكلمة من المعنى ربما لم يكن رياضيا ولكنه كان محب للرياضة وكان من مشجعي لعبة المصارعة الحرة ودائما وأبدا كان يتكلم عنها 
كنت أطول منه وفق رأيه بعشرة سنتيميترات كان ينظر إلي أنني كنت طويلا
كان إبراهيم إجتماعيا نادر الفكاهة وكثير الضحك رغم أنه لم يكن متفوق ولم يكن بالذي يبذل الجهد الكثير في الدراسه ولكنه مع ذلك كان محبوبا من كل مدرسي الصف
في الواقع سعدت بأنه كان في مجموعتي الصغيره التي لم أحظى بغيرها فرغم أني كنت آحيانا من أوائل الصف وربما كنت لمدة طويله من متفوقي المدرسه إلا أني في أعين البعض كنت الطفل الغامض الغريب الذي يتجنبه الطلاب الأكثر شعبيه وشهرة .. وربما لهذا السبب كنت سعيدا برفقته

كنا في أحد فصل الشتاء
الجو بارد ومع هذا كنت أنتظر الحصة الأولى بشغف فقد كانت حصة الريادة وكان رائد الفصل حينها أستاذ  سعد حبيب أروع المدرسين في وقتها وأكثرهم حبا لفصلنا لازلت أذكره فرغم حزمه وشدته مع من يخطئ كان مغرما بنا محبا لنا عطوفا علينا 
في حصة الريادة كنا نتناول قضايا الفصل البريئة التي فهمت عندها كبرت أنها لا تساوي أي شيء في هذا العالم الكبير 
تأخرت عن الحصة الأولى ربما بسبب برودة الشتاء وإغراء الغطاء ولكن وصلت بعد بدأ الحصة الأولى 
دخلت المدرسة وجلا خائفا من العقاب فأي عقاب أصعب من أن تُذنب أمام باقي طلاب المدرسه في طابور الصباح !!
ولكن على غير العاده لم يوبخني أحد او ربما ( لم يكترث أحد )
دخلت فصلنا مبتسما ولأول مرة وجدت فصل ٥ب٦ هادئا في حصة الريادة وأستاذ سعد حبيب ذو الوجه الأبيض شاحب اللون وعندما نظرت له مبتسما وقلت ببراءة : هو الفصل هادي ليه 
رد بتنهيدة لم أعدها وقال : أتفضل اقعد يا أحمد ..
جلست بجوار محمود وكعادتي هممت بالتحدث لمحمود وكعادتي بدأت كلامي بالمزاح فقلت : أيه يابني الفصل هادي ليه كدا وليه فلان نايم في قلب الفصل وفلان ليه ساكت وفلان ليه حاطط راسه ع الديسك
همس محمود في أذني وقال : إبراهيم مات ..
" نعم !! يعني أيه مات !! متهزرش !! يعني أيه مات "
كان الرد صاعقا ولأول مره في حياتي أرى محمود جادا وهو يقول : أقسم بالله مات في العملية بتاعت دراعه بجرعة بنج زيادة ..
لا أدري كيف تلقيت الخبر ولم أدري ماذا حدث فلم أفق إلا ونحن وفي باص المدرسه نقف أمام المقابر ونرى صديقنا يودعه الشيخ في جوف القبر وهو يدعوا له ونحن نؤمن عليه .. عندها فهمت أن الميت ليس هذا الشخص الذي يحبه الله فيشتاق للقائه فيقبض إليه بل هو الشخص الذي لا نعرف قيمته إلا عندما نفقده ..
من هو ملك الموت ؟؟
لم تعد الملائكة في نظري بذلك الشكل الرومانسي الأبيض الساحر .. بل بدأ في الظهور ذلك الملاك ذو الأجنحة السوداء العظيمة والنظرة الباردة  .. ربما هي مخيلة طفل ولكن في الواقع هو طفل حاول أن يبحث لعقله الصغير عن مبرر لماذا يموت طفلٌ في عمر إبراهيم !!
تأبى هذه السنة أن تمر مرار الكرام ففي ليلة الأول من رمضان وأخر أيام شهر شعبان كان ينتظرني لقاء جديد  مع ملك الموت ولكن هذه المره داخل جدران بيتي .. لا أتحدث عن الضوء الأحمر الذي رأيته يمشي على جداري ولا أتحدث عن ذلك المخلوق الذي كاد يقتلني في نومي في مره وتبدد بصوت أذان الفجر .. بل أتحدث عن ذلك اليوم ..
عدت للبيت جائعا كالمعتاد أوصلني خالي للبيت وهو صامت كعادته صعدت السلم في عجل وعندما وصلت بيتي وجدت باب الشقة مفتوح 
تجلس في واجهة الباب أمي وعلى جوارها نسوة يرتدون الثياب السوداء 
ببراءة ركضت على أمي وهمست في أذنها : أنا جعان .. نظرت لي في حزن وقالت : حاضر بس معلش روح مع خالوا هتتغدى عنده أنهارده
بعدها سألت : ليه كل الناس دول هنا .. لم أعتد على هذه ( اللمة ) في بيتنا الهادئ وإن كنت قد أستنتجت سابقا في طفولتي أن ( اللمة ) تعني الفرح
أجابتني أمي بنبرة حزينة : أصل جدو هينقل  
فقلت لها بفرحة : هيجي يعيش معانا هنا 
نظرت لي باسمة وهزت رأسها بالإيجاب
لم أكن أعلم ما الذي فعلته ولم أكن أفهم لماذا أجهشت أمي في البكاء 
ولكني فهمت حينما ذهبت لشقة جدي كي ألعب فيها مثل كل يوم لأجد رجلا يقف فوق جدي ويصب الماء فوق نصفه العلوي .. وبعدها بساعه وجدت رجلا موضوعوا في كفنٍ أبيض منقولا في سيارة الإسعاف وهمس أحدهم في أذني : ودع جدو ..
هذا لم يكن لقائنا الأخير فربما تقابلنا كثيرا تقابلنا في جنازة والد صاحبنا أحمد في نفس السنه وفي السنه التي تليها في جنازة أستاذ رضا مدرس الألماني بمدرستنا وبعدها بسنتين في جنازة أستاذ سعد حبيب .. 
مرت السنين وربما نسيت شكله أو ربما أرتحت لأنني نسيته : ربما لم يعد يعنيني أنه يحصد أرواح العجزة طالما أنه أبتعد عنا معشر الشباب أو هكذا ظننت 
لأفاجأ به يعود في الثانوية يحصد أرواح بعض الشهداء في ما عُرف بعدها بثورة ٢٥ يناير 
ربما هدأ الوضع ولكني تعلمت أن لا تأمن له فما إن تعطيه ظهرك حتى يظهر من جديد 
جهاد موسى
عمرو شعلان
حسين حاتم
وأخيرا أحمد شقير  ربما من عجائب القدر أن في نفس العام الذي كنت فيه في فصل ٥ب٦ كان رفقاء أحمد شقير في فصل ٦ب٦
ربما إذا فكرت فأنه سيزورك كل سنه أو ربما لا كل شهر أو ربما هو يحلق تحت سقف بيتك كل يوم ينظر إليك ينتظر ذلك اليوم الذي يسأل الناس عنك بصفة الغائب ويقولون : كان الله يرحمه ..
لم أعد أناديه بملاك الموت فكلمة ملاك أتصلت بعقلي الصغير على أنها تُستمد من النور والأجنحة البيضاء ولكني دائما كنت أتخيله مَلك الموت ..

إن كان الموت جميلا بحيث تكون الإجابة في التعازي : هو دلوقتي في مكان أحسن
إن كانت الدنيا بهذه القسوة وإن كانت الحياة بهذه البشاعه فلماذا نحزن إذا فارقونا بهذه الطريقة أو بطريقة أخرى ..
ولماذا نتألم إذا فُرض علينا أن نفارقهم  إذا كان فراقاً مؤقتاً أو على الأقل فراقاً مميزاً ..
ربما نحن أنانيون وربما عقولنا الصغيرة أصغر من أن تدرك ماهية الموت وحقيقة كيان الشخص الميت ..

إجابة السؤال : من الميت ؟؟  تكون نحن الأموات ..
ما هو الميت ؟؟ هو الشخص الذي نبكيه حقدا منا أنه فاز بمكان لم نصل لمثله ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق